تفيد منظمة الصحة العالمية بأن الصداع النصفي هو السبب الرئيسي الثاني للعجز و الغياب عن العمل على مستوى العالم. بالرغم من أثاره السلبية على أكثر من مليار شخص حول العالم وما يصل إلى ثلث السكان في الدول العربية ، غير أن هناك مجموعة من المعتقدات السلبية والخاطئة حول هذه المشكلة الصحية الخطيرة والمنهكة في كثير من الأحيان، وغالباً ما يتم تجاهل تلك الأعراض الشديدة على اعتبارها "مجرّد صداع"، مما يؤدي الى تأخر التشخيص والمعالجة وما يتركه من تبعات صحية واقتصادية. وفي هذا الخصوص أفادتنا د. شيرين قريشي استشارية مخ وأعصاب عضو الزمالة الملكية الكندية لأمراض الأعصاب أستاذ مشارك في جونز هوبكنز الطبي عن أهم الأعراض التي تصاحب الصداع النصفي وسبل الوقاية منها.
وبسؤال د. قريشي عن مدة نوبة الصداع الصداع النصفي أجابت أنها يمكن أن تدوم لأكثر من ساعات وقد تستمر لأيام، وقد يكون الألم شديداً لدرجة أنه يتعارض مع الأنشطة اليومية. والتي تشمل بعض المسببات الشائعة، الإجهاد وقلة النوم والتغيرات الهرمونية أثناء الدورة الشهرية لدى النساء وتعاطي الكافيين والكحول. وتتزايد هذه الضغوط في حياة العديد من الأشخاص في ظل التوسع الحضري السريع.
وأضافت أن أهم ما يميز الصداع النصفي أنه صداع نابض مصاحب بأعراض أخرى كالغثيان والقيء وصولاً إلى التحسس من الضوضاء و النور. كما يمكن أن تؤثر نوبات الصداع النصفي أيضاً على الدماغ والنخاع الشوكي والأعصاب في جميع أنحاء الجسد، وهو ما قد يسبب صعوبة في التركيز، دوار، اضطراب الرؤية . ويمكن أن تحدث هذه الأعراض في أي مكان وتتراوح من 4 إلى 72 ساعة. مؤكدة على الصداع النصفي لا يمكن توقّعه يعني أن الصداع النصفي يمكن أن يحدث في أي وقت، وهو ما يتسبب في اضطرابات كبيرة في حياة العديد من الأشخاص.
وبسؤالها مجددا عن أهم مسببات الصداع النصفي أجابت د. قريشي أنه على الرغم من الآثار المعوِّقة المترتبة على الصداع النصفي، غير أنه لا يزال يتم التغاضي عنه ولا يتم تشخيصه ولا يحظى بالعلاج. وفي الواقع، فإن 40% فقط من المصابين بالصداع النصفي أو الصداع الناتج عن التوتر يتم تشخيصه بشكل مهني. وغالباً ما تدفع المفاهيم الخاطئة حول كون الصداع النصفي "مجرّد" صداع، إلى التغاضي عن أعراضه التي يعانون منها. كما تسهم حصيلة العلاج السيئة في ذلك؛ ومن هذا المنطلق، فإن أكثر من ثلثي الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي إما لم يستشيروا طبيباً على الإطلاق أو توقفوا عن القيام بذلك بسبب قلة الآمال المعلقة على العلاج. لذا، فإن الكثير من المصابين بالصداع النصفي غير راضين عن مستوى الرعاية الحالي.
وصرحت د. قريشي أن التعايش مع الصداع النصفي له تداعيات على الصحة النفسية. فالأشخاص الذين يصابون بالصداع النصفي هم أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب بمعدل مرتين إلى أربع مرات، ويعانون من الشعور بالعزلة والعجز تجاه الألم.
كما قد يؤدي عدم تشخيص الصداع النصفي إلى سوء الفهم وبروز المعتقدات السلبية ونقص الدعم من العائلة والأصدقاء والمجتمع على نطاق أوسع. كما يمكن أن تسهم الحالة غير المتوقعة للصداع النصفي وقلة الإدراك أو التحقق من صحة الآخرين في زيادة العبء العاطفي والشعور بالعزلة.
عادةً ما يتعيّن على الأشخاص الذين يعانون من الصداع النصفي تحمل عبء التكلفة المالية المباشرة لزيارات الطبيب والاستشفاء والعلاج الطبي، وقد تكون لهذه التكلفة تأثيرات غير متكافئة على المجتمعات المُعوِزة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا التي يتعين عليها موازنة الأولويات اليومية الأخرى، بالإضافة إلى نوبات الصداع النصفي. ولوضع الأمور في سياقها المناسب، فإن هؤلاء المرضى يفقدون أيضاً ما متوسطه 4.5 يوم عمل في الشهر، وهو ما يزيد من التكلفة الاقتصادية الناتجة عن التعايش مع الصداع النصفي.
ومع ذلك، فإن نوبات الصداع النصفي لا تؤثر فقط على من يعاني منها، فيمكن أن يكون لفقدان إنتاجية العمل والتغيب لدى المرضى الذين يعانون من الصداع النصفي غير المشخص، تأثير اقتصادي كبير على كل من أصحاب العمل والمجتمع ككل. كما يمثل الصداع النصفي عبئاً اقتصادياً عالمياً أكبر من جميع الحالات العصبية الأخرى مجتمعة. فعلى الصعيد العالمي، يؤثر الصداع النصفي على النساء ثلاث إلى أربع مرات أكثر من الرجال، وغالباً ما تكون النوبات أكثر حدّة بالنسبة للنساء. أما في الخليج، فإن احتمالية إصابة النساء بالصداع النصفي تزداد بمقدار الضعف.
يمكن أن يؤدي نقص التشخيص إلى استنزاف موارد الرعاية الصحية، حيث قد يقوم هؤلاء المرضى بزيارة العديد من الأطباء بحثاً عن المساعدة والعلاج. وبالتالي، فإن ذلك قد يؤدي إلى زيادة الاستفادة من الرعاية الصحية، وأوقات انتظار أطول، وتضاؤل إمكانية حصول مَن هم بحاجة على الرعاية.
وأخيرا اختتمت د. قريشي حديثها بإن معالجة نقص التشخيص الناجم عن الصداع النصفي أمرٌ بالغ الأهمية لتقليل هذه التأثيرات الفردية والمجتمعية. ومن هذا المنطلق، فإن حملات التثقيف والتوعية وتحسين إمكانية الحصول على خدمات الرعاية الصحية والتدريب الأفضل للاطباء، من شانه أن يُسهم في الكشف المبكر والعلاج المناسب وتحسين إدارة علاج الصداع النصفي.
وفي مطلق الأحوال، فإنه لا يزال هناك قدر كبير من العمل في المستقبل. ولا شك أن لدينا القدرة على تعزيز معدلات اكتشاف الصداع النصفي وتخفيف الآثار المرتبطة به على الأفراد والمجتمع، وذلك من خلال تعزيز الوعي العام وتطوير قدرات نظام الرعاية الصحية لدينا. ومن الأهمية للأفراد ومقدمي الرعاية الصحية وواضعي السياسات والمجتمع ككل، توحيد الجهود في محاولة موحدة لتعويض النقص الناتج عن عدم تشخيص الصداع النصفي وتعزيز الرفاهية العامة لمن يعانون من هذه الحالة المسببة للعجز.